تل العبيد/ محمود الجعيدي
في رواية "تل العبيد" للكاتب محمود الجعيدي، تعمّد الكاتب أن يختار هذا العنوان لروايته، فلم يكن مجرد عنوانٍ عادي، بل اختاره الكاتب من أجل أن يعكس البعدين الفكري والإنساني المَوجودينِ في الرواية. والجعيدي هنا لم يكتب رعباً فقط، بل يكتبُ أدباً قشرته الخارجيةُ الرّعب، كما يلقي الضوءَ على العديد من الموضوعات الفكرية والإنسانية والاجتماعية، وأحياناً السياسية، فيجعل القارئ يتوقف للحظاتٍ من أجل أن يفكر في موضوعٍ ما، من خلال حوارٍ يدور بين اثنين من شخوص الروايةِ عن حالة الحرب والثورة في العالم العربيّ، وما أضحى عليه الحال.
ونجد الكاتب لا يقدم حلولاً، وإنما تساؤلاتٍ تعصفُ بعقل القارئ وفكره، ويتجلّى الرعب في هذه الرواية بالانتقام، الذي لا يتكشّفُ للقارئ إلا في خاتمة الرواية، فتظهر لنا أسبابه ودوافعُه، حيث أسهمت في وجود شخصية غامضة تكون في تل العبيد ومعها كائنٌ منتقمٌ يُدعى "الدّويس"، حيث يتمثل في أفظع صور الرّعب لجميع شخصيات الرواية، حيث لكل شخصٍ من هؤلاء قصةً إنسانية ودوّامةً يدور فيها من الماضي للحاضر. وقد أظهر الجعيدي إبداعه في تجسيد شخصية الشيخ عرفة، ووصفه ببراعة عظيمة طقوس التحضير وتفاصيلها، وجمع بين الخرافة والحقيقة، والفرق ما بين كلٍ من الدّجلِ ووجود الجن في عالم البشر، ثم جعل القارئ يتساءلُ ماذا بعد في النهاية؟، وعبر مشهدٍ أسطوريّ ظهرت الدّويس مرة أخرى بالإنتقام البشريّ ومهمّةِ الجِن في ذلك، وهل يستحق الانتقام والثأر لمظلومٍ أن يهلك الأبرياء كي يأخذَ حقَّ بريءٍ تم استعبادهُ في يومٍ ما؟ .
ومن أجواء "تل العبيد": "شاهد الأموات يخرجون من قبورهم تغطيهم الأكفان البيضاء وهم يترنحون كالسكارى وقفوا جميعاً أمام القبور، وفي حركة واحدة وفي نفس الوقت ارتفعت أبصارهم باتجاه السماء، ثم تجمدوا! كانوا ينظرون إلى شيء ما مرتفع وغير ظاهر."